Thursday 11 March 2010

سد بحيرة اليمونة

لعل افادة منطقة بعلبك – الهرمل، وبلدة اليمونة خاصة، من زيارة الرئيس العماد ميشال سليمان في الرابع عشر من الشهر الماضي للبلدة - قضاء بعلبك، لاطلاق المرحلة الاولى من انشاء سد بحيرة اليمونة، اعلاميا كانت الاقوى لولا ظهور الأمين العام السابق لـ "حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي بعد يومين على حفل اطلاق السد، واعتراضه على مواصفاته الفنية، واعتباره مجرّد ساتر ترابي بارتفاع سبعة امتار لا فائدة منه لمنطقة عانت الكثير من المشاريع الوهمية.

يستأثر المشروع بقسط كبير من اهتمام الناس لما يوفر لهم من عناء ري مزروعاتهم ومشقة تأمين مياه الشفة، وخصوصاً ان الماء تشكّل عنصراً حيوياً لا حياة من دونه، اذ يفترض ان يتم الانتهاء من تنفيذ السد بعد سنتين ونصف السنة على بدء العد العكسي، اي منذ الساعة الاولى لوضع الحجر الاساس. الا انه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن نتيجة عدم تعيين رئيس ديوان المحاسبة لاعطاء اشارة البدء.
عمر سد بحيرة اليمونة من عمر إنشاء النفق العام 1936، عندما نفذه الفرنسيون خلال الانتداب الفرنسي وبقي اسير الادراج والدراسات المتلاحقة لعهود طويلة، ليفرج عنه في مرسوم صدر العام 2003 يقضي بإقامة سدود في لبنان تهدف إلى وقف إهدار المياه واستغلالها للشرب وري الأراضي في البقاع. وابتداء من عام 2005، ابان عهد الرئيس السابق اميل لحود، وبقرار من مجلس الوزراء، تولت الهيئة العليا للاغاثة دفع التعويضات من اجل تأمين الاخلاءات من منطقة السد، وفق لوائح اعدتها وزارة الطاقة وبلغت قيمتها مليارين و600 مليون ليرة من الموازنة العامة. وهذا ما سمح لوزارة الطاقة، عندما كان على رأسها الوزير آلان طابوريان، بالانطلاق في كل مراحل اعداد المشروع حتى نهايته، فأنجز مشروع سد بحيرة اليمونة في الايام الاخيرة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، فيما كان رهينة عوائق الحكومة السابقة لجهة التأخر في دفع التعويضات.

بين موافق ورافض!

"النهار" جالت على موقع المشروع، الذي لم يزل على حاله، والتقت بعض المزارعين والمستفيدين من السد، وقد اجمعوا على الترحيب بزيارة رئيس الجمهورية منطقتهم، فيما اختلفوا في آرائهم ما بين موافق ورافض ومتخوّف على مواصفات المشروع.
وزير الزراعة حسين الحاج حسن رفض ان تكون هناك سياسة لتضخيم او تصغير حجم هذا المشروع، واضاف: "هو احد السدود التي عملنا من اجل تحقيقها، وبالتالي تحققت ويجب وصفه كما هو. وهذا السد مقدر له ان يكون مليون ونصف مليون متر مكعب من المياه، وهو من ضمن سدود اخرى ستحقق لمنطقة بعلبك الهرمل ضمن خطة الموارد المائية وهي من اولوياتنا، كسد نهر العاصي في الهرمل، لكن الكمية غير كافية".
ولفت متعهد المشروع المهندس علي دندش الى انه في انتظار الاشارة لبدء العمل المتوقف نتيجة عدم تعيين رئيس ديوان المحاسبة، "واننا وضعنا خطة للعمل والنقاط الاستراتيجية للسد لتسهيل بدء العمل فور تلقينا الاذن بذلك".
ويضيف: "نحن على استعداد تام لبدء العمل على حسابنا الخاص، لان الوقت الذي مرّ هو وقت ضائع لا يخدم المشروع وسيكون هناك، نتيجة التأخير، تأخير سنة اضافية من مدة تنفيذه، لا سيما ان الينابيع في هذه المرحلة تقوى وتغمر مكان العمل بسبب الامطار والثلوج، وخصوصاً ان المنطقة ترتفع 1560 متراً عن سطح البحر مما يجعلها منطقة ثلجية".
واوضح ان ما سينجز من المشروع هو القسم الرقم 1 من سد بحيرة اليمونة، والسد قليل الارتفاع، و يخزن 1,5 مليون متر مكعب نظراً الى ان النفق (لجر المياه) القديم المصنوع على أيدي الفرنسيين خلال عهد الانتداب، وهو على مستوى المياه، مما يعوق الحفر عميقاً تحت الارض. وهذه الكمية من المياه تساعد في توزيع المياه للشبكة الموجودة حالياً في شكل متواز، اذ تؤمن ثلاثة اضعاف من المياه الكمية المعطاة حالياً التي يمكن ان نتوسع بها لسعة خمسة ملايين متر مكعب.
واضاف دندش: "من المفترض ان توضع دراسة لاستحداث انشاء "تونيل" آخر في المراحل الاخرى لأن نسبة المياه العذبة هي قرابة 30 مليون متر مكعب في السنة"، والتي باتت - على حد تعبير دندش - ضرورية للافادة من هذه المياه بتوليد طاقة كهربائية تغذي القرى غربي بعلبك من دون تكلفة تذكر.
ويبدي رئيس جمعية حماية البيئة وصاحب اراض زراعية في اليمونة حكمت شريف ارتياحه لوضع الحجر الاساس، ويشير إلى ان المشروع ما زال وهماً من سراب، فهناك عراقيل تمنع تنفيذه مناشداً الرئيس سليمان ووزير الطاقة متابعة المشروع واعطاءه اولوية واهتماماً خاصاً.
وردا على مواصفات المشروع اعتبره حاجة ملحة للمنطقة، "فبلدة اليمونة تفيد منه على الصعيد السياحي فقط، كما يتلاءم مع الواقع البيئي للبلدة التي هي محمية طبيعية بمياهها وارضها وجبالها، مما يتطلب لفتة خاصة من المستثمرين والمؤسسات الدولية الداعمة للعمل لتقديم المساعدة".
من جهته اكد عضو مؤسس للنادي الثقافي في اليمونة مصطفى حسن شريف وقوف الاهالي الى جانب المشروع، على امل ان يكون الحجر الاساس لمشاريع اخرى في المنطقة لكي تبعد شبح زراعة المخدرات عنها.
وطلب ممن يرفض المشروع بمواصفاته ان يقدم البديل "فهو حيوي للبلدات الاخرى ونحن نطالب الدولة ان نستملك الاراضي حول السد، كي نستطيع ان نقوم بمشاريع انمائية، لا سيما اننا خسرنا اراضي زراعية وبساتين مثمرة كلفتنا باهظاً مقابل تعويض زهيد".
"المشروع سياحي"، بهذه العبارة يعلّق المزارع عصام شريف من بلدة اليمونة على تنفيذ السد، ولا يعني له الكثير على الصعيد الزراعي، ويبدي استعداده لاستثمار الاراضي التي يملكها حول السد سياحياً، لان طبيعة المياه في اليمونة لا تصل الى الاراضي الزراعية بسبب انخفاض السد عن هذه الاراضي، اذ يلجأ الى الآبار الارتوازية لاستخراج مياه الري التي ترتب تكاليف مادية، املاً التعاطي بجدية في تنفيذه، وخصوصاً ان التعويضات كانت مجحفة في حق الاهالي.
في المقابل رأى رئيس بلدية السعيدة غرب بعلبك (احدى البلدات المستفيدة من شبكة مياه السد) حيدر الحاج يوسف ان المنطقة ليست عطشى لهذا المشروع، فهو مثل قصة ابريق الزيت وعدنا بـ 4 ملايين متر مكعب من المياه كدراسة اولية، ومليون ونصف المليون التي سوف يؤمنها السد ستسبب ازمة على مياه السنة، ملمحا الى ان هناك من يستأثر بهذه المياه التي هي بحاجة الى تنظيم وعناية امنية، ويمكن أي متمول ان يقوم بتنفيذ مواصفات هذا المشروع على حسابه الخاص. واضاف: "نحن مع هذه الحركة الانمائية الملحة، لكن ثمة مشاريع انمائية للمنطقة اكثر إلحاحاً، كبناء جامعات بدل تهجير ابنائنا لينالوا تعليمهم الجامعي، او انصافنا ولو بنصف كمية السدود التي انشئت في اماكن اخرى".
"مليون ونصف المليون متر مكعب من المياه، هذا هو المشروع الاقتصادي الكبير لمنطقة البقاع، بعد رحلة حلم دامت 60 عاماً"، يقولها ضاحكا احد المزارعين، علي السبلاني من بلدة بوداي، الذي لا يخفي تخوفه من عدم تنفيذ المشروع في المهلة المحددة ويبقى طليقا بين المشاريع الاخرى التي وعدوا بها.
من المعلوم ان مساحة بعلبك – الهرمل تمثل ما يقارب الـ 25 في المئة من اراضي لبنان، ومعظم اراضيها بعلية سهلية صالحة للزراعة، ونبع اليمونة هو احد المصادر الاساسية لري غرب قرى بعلبك، بالاضافة الى نهر العاصي ونهر راس العين في بعلبك، وينابيع موسمية صغيرة تروي بعض المساحات، إلا ان الموارد المائية المخصّصة للري تفتقر الى التطوير. فمياه الري ترتب على المزارعين تكاليف مادية، كحفر الآبار الارتوازية، ولا تعطي المردود المطلوب، لذا اتجهت معظم الأنشطة الزراعية الى الاعتماد الكثيف على مياه الأمطار، وتتأثر هذه المنطقة كثيرا بالجفاف رغم أن وفرة الأمطار تهدد في بعض الأحيان المحاصيل، كالسيول الموسمية في البقاع الشمالي. ولمشروع سد بحيرة اليمونة غير اثر ايجابي على مستويات عدة نظرا الى ما تتمتع به البحيرة من مواصفات حيوية تعود بالفائدة على الزراعة والسياحة وتأمين مياه الشفة، لكنه اعاد الى دائرة الضوء حقبات من المشاريع الوهمية المحفورة في ذاكرة الاهالي.

مواصفات سد بحيرة اليمونة

الدراسة الاولية لمشروع سد بحيرة اليمونة لاعادة السطح المائي تقضي بانشاء سد قليل الارتفاع، يخزن 1,5 مليون متر مكعب من مياه نبع الغزارة، نظراً الى أن منطقة البحيرة هي منطقة زلزالية متعارف عليها عالميا. ويتألف السد القابل للغمر في فصل الغزارة من الردميات الصلصالية المحمية بالقماش الجيوتقني، تعلوه "الغابيونات" الصخرية الموضوعة ضمن اقفاص من الشبك المعدني المغلف بالبلاستيك، بحيث تتناسق مع المحيط الطبيعي للموقع وتمنع انجراف التربة الصلصالية لجسم السد وتضفي جمالية خاصة على المنطقة.
وستكون مساحة البحيرة 32 هكتاراً، ويبلغ عرض جسم السد ثلاثة امتار افقيا ومتراً واحداً عموديا، وانحناء الجسم الخلفي للسد سيكون اربعة أمتار افقياً ومتراً واحداً عموديا، وارتفاعه الاقصى سبعة امتار، اما طول الطريق الدائرية فيبلغ 2520 متراً وعرضها ثلاثة امتار.
وأما المنشآت الملحقة فهي:
- منشآت تصريف الفائض، وتتألف من هدارين سطحيين ومتر واحد يشكل الاول مجرى لمياه الري بتصريف قسم من مياه الفائض نحو نفق اليمونة، والثاني يقوم بتصريف مياه الفائض في اثناء الغزارة في "البواليع" الجوفية.
- منشآت المأخذ، وتتألف من هدار سطحي يسمح باستعمال المياه خلال النهار وتخزينها خلال الليل.
- منشآت إفراغ القعر، وتتألف من قسطل حديد قطره 800 ميلليمتر، ينطلق من النقطة الاكثر انخفاضا في البحيرة، مروراً تحت السد، وصولاً نحو منطقة "البواليع" الطبيعية

المصدر